.تعليقات و نقد من فنانين و نقاد و أصدقاء الفنان


 

: كتب عن محمود حمّاد كل من

 د. محمود شاهين

د. عبد العزيز علون

د. سليم عبد الحق - مجلة الحوليات

د. عفيف بهنسي

د. علي السرميني

د. سلمان قطاية

  Guido La Regina - غويدو لاريجينا

فاروق البقيلي -  الأسبوع العربي - بيروت

غازي الخالدي

طارق الشريف

لور غريب - بيروت

حسن كمال

 بيروت - Berkoff أندريه بركوف

     Vittore Querel - فيتوري كويريل

غادة السمان - بيروت

نزيه خاطر - بيروت

 بيروت  - Daily Star - Roben Smithروبين سميث

أسعد عرابي - جريدة الثورة - دمشق

فاتح المدرس

د. خالد المز

نصير شورى

نذير نبعة

عبد القادر أرناؤوط

الياس زيات

خليل صفية

ممدوح قشلان

هيام نوار

أديب مخزوم

 ...و غيرهم


 

مقتطفات من النقد والتحليل 

عندما يصبح تلميذ الطبيعة واناقة الطبيعة معلما يكون قد دخل حدائق " الرائع "، والرائع هو الترجمة الازلية لمعنى الفن . حمَاد كان يبحث عن أسرار الدقة في العمل، وبصبر طويل منه بلغ بعد نصف قرن من الجهد والتجربة ، الى تجريداته المعروفة في توليد لون من لون على سطح اللوحة مما يفتح حواراعلميا - هندسة اللون - ان صح التعبير. وكانت أعماله تأتي بعد حوار سريع بينه وبين اللون الأول على سطح اللوحة ، وكان اللون الثاني يأتي بمحاكمة دقيقة ليستطيعا ( هذين اللونين ) توليد اللون الثالث ، هذه الرحلة ، البناء الصاعد" كديالوج " لوني محض ، اسندت جوانبه غرافيكية في غاية الاتزان ، كان يرجو ان يبلغ العتبة الأعلى وهي أن يحول التجريدات للمساحات اللونية الى موضوع ، أو موضوعية ايضاً مجردة

إذن فنحن أمام أعمال هذا الفنان المفكر ( وهو شاعر أصلا ) أمام عمليتين بنائيتين الأولى كما علم افلاطون تلامذته الديالوج الصاعد وذلك الهابط أي المحلل، الا أن عملية التحليل للبناء لا يتم الإ بإشارات خطية من الناظر الى العمل الفني ، وهذه المشاركة هي بحد ذاتها الغاية القصوى للنتاج الابداعي الانساني

الجدول التشكيلي لدى حمًاد

.يبني العمل برؤية غرافيكية مسبقة

.ايجاد اللونين الأساس والمجاور الأوليين

.البحث عن إمكانية توالد اللونين مع الثالث والرابع

.تحاشي الأكسدة اللونية في إنتخابه للسلسلة المرجوة

.إخضاع المحاور بسيطرة اللون

.(بلوغ غرافيكية تلوينية ذات (عمارةهندسية

.الإشارات الرمزية المغفلة من قبل حماد ، ترك أمر العثور عليها للرائي

أما قضية الحروفية ، استطاع الاستفادة من التكوين الهندسي للحرف العربي وتحويله إلى شكل مجرد ، ومن المليح أن اذكر أنه كان يتحاشى الضوء الاعلاني

عاش كشاعر و أديب ناضج ، حكيم في آرائه الاجتماعية ، خفيف الدم ، ابتسامته تشبه كثيرا ابتسامة طفل وراء زجاج ، فهذا العقل في عفوياته الهندسية وبتحكيمه الخاطف لبناء فكرة او لوحة ، هذا العقل كان متمما طبيعيا لصمت الطبيعة

د. فاتح المدرس

أستاذ الدراسات العليا في كلية الفنون الجميلة – جامعة دمشق

دمشق 1991

  

كان حماد عبر سنوات مسالكه الخطرة وعبر عشرات المعارض الشخصية والجماعية المحلية والعالمية يطالعنا في كل مرة بفرح الابتكار ، والنبض البكر الذي لا تنهكه كهولة التجربة ، عمل في التصوير الزيتي والاكريليك والألوان المائية ، كما عمل بشتى تقنيات الحفر والنحت والميدالية والرسوم التوضيحية وصمم الشعارات والطوابع ، وعمل في الفريسك والنصب التذكارية

استهل محمود حماد مسيرته الفنية بالاحتكاك بآلام الريف السوري من خلال اقامته في درعا / حوران . تعرف إلى فلاحي هذه المنطقة وإلى معنى القحط والخصب عندما يرتبط به مصير اسرة ، تعرف الى هؤلاء المربوطين بحبال المطر ، ينتظرون قوتهم بوجل ، وكان يطمح الى أن يترجم هذه اللهفة القلقة و يبحث عن معادل تشكيلي يجسد ذلك النصب المغروس قبالة الشمس في الارض ، الفلاح وعائلته والقدر كما جسد في لوحات موضوعاتها درامية كانت تهز ضميره في تلك الفترة ترتبط بالمأساة الفلسطينية أمثال: النازحون ، أطفال النكبة

اذا ما راقبنا التحول في الموضوعات التشكيلية ما بين 1958 و 1963 لوجدنا تداخلا بين الصيغ الانطباعية والتعبيرية وانتقالا متدرجا من موضوعات البيئة الريفية والبدوية الى الحضرية الدمشقية ، ثم الى الموضوعات التراجيدية الشمولية

يعتبر حماد أول فنان تجريدي في سورية ويذكر : أن التصوير في أي عصر كان يقوم على العلاقات المبتكرة للأشكال والألوان ومدى ما تزخر به هذه العناصر من شحنة انفعالية وكما بقيت الموسيقى في كل العصور علاقات صوتية يعبر بها الفنان عن مكنونات نفسه ، أصبح التصوير علاقات للشكل واللون يضمنهما الفنان مكنونات نفسه

ويدافع حماد عن التجريد بعد الهجمة الشرسة التي مني بها مع زميليه شورى و زيات فيقول : لو كان التجريد تهمة ، لكان اجدادنا العرب اول المذنبين اوالمدانين، أولئك الذين حشدوا جدران تاريخهم الفني بالتجريد الهندسي ولأدين فن الموسيقى مثل فن التصوير

وهكذا نجده استبدل من عام 1963 البحث عن الموضوع المحلي ، الى البحث عن المخزون التراثي للحروفية والعناصر التخطيطية

يبدأ حماد من حرف أو كلمة أو عبارة لينتهي الى لوحة لا تمجد اللغة الأدبية بقدر ما تخاطبنا بلغة تشكيلية بحتة ، فهو لا يخلد الحرف بقدر ما يثبت قيمته النوعية الكونية والمطلقة داخل بوتقة التصوير المعاصر ، لا يمسك بحرفية الحرف ، ولكنه يحاول ان يقنص نسغه الداخلي الذي يشكل سر استمراره ، إن الحروف بالنسبة إليه وقود مغامرة تصوفية

كانت تستغرقه معالجات جديدة لتنوع ملمس السطوح في التراث التكعيبي . وتحمل هذه الفترة ليس ثقافته الغربية فقط ولكن ثقافته العربية الأصيلة ، ويعلق الياس زيات عن هذه المرحلة الاخيرة قائلاً : تناجي عالم اليقين ، وتداعبك حروف الضاد ، ثم تستكين لك وتبوح بسر نطقها

ان تشكيلات حماد الحروفية كانت نتيجة تحالف بين مقومات العقل والقلب ، العاطفة والتوازن ، وهو ما شرحه أكثر من مرة حينما تحدث عن تلقائية الشكل الأول ثم التواصل معه بالهدم و البناء ، بالإعادة والتصحيح والإفناء حتى بلوغ جوهر الشكل والتكوين و الكثافة الروحية القصوى

يقول الاستاذ حماد : ان الخط العربي عنصر تشكيل  وتجريد يمكن الاعتماد عليه لانجاز أعمال فنية تستند الى عنصر من تراثنا بدل الاعتماد على الاشكال التجريدية المحضة المستخدمة في الفن الغربي

ومع غروب شمس الخميس في الحادي عشر من آب عام 1988 ، غرب المعلم الكبير الى الإبدية ، دخل مرآته ولم يخرج منها ، فقد كانت على صفائها شظايا متهالكة نثرها العدم خلف مثوى جواد سليم مختار ، وسكينة الواسطي وغيرهم وغارت الحركة الفنية السورية في حداد طويل

التزم حماد الصمت طوال حياته ، صمت كبرياء الصرح الشامخ وكثيرا ما قال : " من يتحدث كثيرا لا يفعل شيئا " و في هذا الصدد يذكره زملاؤه فيقول عبد القادر ارناؤوط : تحت المظهر الهادئ للرماد تتأجج جذوة الجمر المستعر وعند الحد ااقصى يتحول الفحم الى ماس

. أما نذير نبعة فيقول : كان له صدر الكلام ، وكان صدر المكان حيث يكون هو

أسعد عرابي

فنان تشكيلي

 

لقد انطلقت الاتجاهات التجريدية من لوحة رسمها الفنان محمود حماد ، واحتوت على  احرف من الكتابة العربية في عام 1964  ، وحين عرض هذه اللوحة أثارت ضجة ، اذ رأى المشاهدون و لأول مرة لوحة تجريدية بعيدة عن التشخيص المألوف في الأعمال الفنية الأخرى التي كانت تعرض آنذاك . وفي الحقيقة ، إن اهمية الفنان محمود حماد لا ترجع الى هذه المرحلة ، التي غلب عليها الطابع التجريدي ، والتي أثارت نقاشاً حول علاقة الفن بالكتابة العربية وبالتجريد ، بل ترجع الى مرحلة قديمة ، إذ قدم محمود حماد عدة تجارب هامة ترجع إلى مرحلة الرواد، وما قدمه من موضوعات و أساليب فنية وقد تطورت تجاربه بعد ذلك ليقدم بعض الأعمال الحديثة في صياغاتها ، والتي تتجاوز الصياغات الاولى ، والتي تعتمد على تأليف يقدمه الفنان ويتجاوز مجرد التسجيل لما يشاهد ويرى وذلك قبل اتجاهه نحو التجريد ليقدم المحاولات الهامة التي انطلقت من الحرف العربي ، و أخذت مفهوماً خاصاً ضمن تجارب الحرف العربي المعاصرة ، وقدمت رؤية جديدة ضمن مسيرة الحداثة الفنية وما قدمته من تجارب مختلفة

وهكذا اكتشفت الحركة الفنية في القطر العربي السوري ، أهمية الحرف العربي مع محمود حماد ، الذي قدم تجربة فنية كاملة تنطلق من الكتابة العربية وسعى لكشف الحرف من الزاوية التشكيلية والتجريدية ، وأهمية استخدامه في لوحة حديثة

لكن تجربة محمود حماد لم تصل الى هذا الأسلوب الفني المعروف ، إلا بعد ان مرت بعدة مراحل هامة ، وبعد عدة بحوث وتجارب ، يمكن ان نرجعها الى ثلاثة مراحل هامة ، تتفق في اسسها ومنطلقاتها مع مسيرة الفن التشكيلي في القطر ، مرحلة تقليدية وحديثة وتجريدية

                                                                              طارق الشريف – ناقد فني

الحياة التشكيلية ، دمشق ، العدد 1985 ,20-19

 

حماد وكلمتان على مسار فنه 

تتسم أعمال حماد بصورة عامة بالعقلانية التي تجعله ينفرد بين أقرانه الفنانين السوريين المعاصرين ، بالهدوء والتوليد المستمر للاشكال الابداعية . ونحن عندما نعطي لأعماله سمة التعقل ، فأنما نعني بذلك أن حماد يطبع رسومه وتصويره وحفره وميدالياته بشخصية متماسكة يسهل على المشاهد كشفها ، مع تقلب صاحبها بين طرائق التصوير ومدارسه ، صحيح ان حماد بدأ بالانطباعية وتحول منها إلى واقعية حديثة ، مسح بها الحزن عن وجوه اللاجئين والنازحين ، وسجل بها صمود الإنسان الذي اختار درب الثأر والكرامة . و أخيرا عرى الأشكال ،  و أبقى على نماذج هندسية قليلة يكتب بها معاني الأبداع والخلق ، ويطبع بها بعض الاحرف العربية ، ولكن حماد في ذلك التقلب والتحول بقي هو نفسه كما بدأ مثالا للفنان الرصين الذي يحلم بتصوير الأعمال الكبيرة والشواهد الباقيات ، يحس الناظر أن الفنان لا يشبع من عمله الفني قبل أن يعرض عليه ويرويه من كافة الاشكال التي يدخرها

وقد تطغى العقلانية كصفة للعمل الفني لدى بعض الفنانين فتجهض حرية صاحبها وتحوله الى سجين خطية شكلية معينة وتقليد يتيم ، ولكن حماد يعرف كيف يتخلص من ظلال التشدد والتعصب في اللحظة الحاسمة . فهو لا يهرب من الشعور إلى اللا شعور كما يفعل السرياليون ، أو يحلق بالخيال ويضرب صفحا من عالم المعقولات كما يفعل الرومانسيون ، بل يتجه الى العقل نفسه ، ويستفيد من ميزات اللعب الرياضي وانسجام الرؤية الفيثاغورية للأعداد . يضَمن العقل هنا اعدادا في ضمير أعداد أخرى ، ويطرح ويضع ضمن قوس و خارجه ويختصر ، ويتحرك بحرية كبيرة ولكنه لا يشط عن المنطق الرياضي وإحتمالاته ، إن حماد يبتعد في دنيا اللون فيستخرج أصعب الألوان و أعذبها ، ولكنه يستطيع أن يكبح جماح هذا اللون بمفاعلته بألوان مضادة تطابقه وتسايره . ومن جهة أخرى تقع عين حماد على المربع ، ويستنبط ما به من مجالات ، ولكنه لا يكتفي بل يطعم هذا المربع بكرة تشف عن تناسقها ، وتفسح المجال للمربع ليغرد بخطوطه المستقيمة وزواياه المتساوية المتقابلة. ولا تستريح ريشة حماد هنا ، بل يدخل على الكرة مجموعة اختراعات تزينها ، فيشطرها الى اهلَة تتباعد سابحة في جوانب اللوحة ، وهكذا ما يزال بالأشكال حتى يحولها إلى دمى متحركة ثم يطبع وحدات التكوين الرئيسية بأشكال الأحرف الجميلة والحكم الفلسفية ، ويعلم أجزاء أخرى من اللوحة بألوان مؤكدة متداخلة ، ترشح عن ألوان شفافة جميلة . هكذا يفعل حماد ، وهذا دأبه في إنتاجه الكثير المتميز ، فهل بالإمكان أن نسمي ذلك الدأب المستمر بأسلوب أو بمدرسة؟ لا أظن ان حماد كان في خلقه وتوليده الا رائدا مبدعا لحلول تشكيلية جعلت لوحاته مرجعاً وافراً للفنانين الشباب وللدارسين الموضوعيين 

وليس بي حاجة أن أقول ان حماد كان من أعمق الفنانين المعاصرين أثرا في حركاتنا المحلية ، كما لا يخطر على بالي أن أطلق ألقاباً على أسلوبية حماد أو ريادته المدرسية  أو الاكاديمية ، لأن ذلك يتطلب منا أن نعطيه مجالا أرحب أثناء عمل أسبار في سطح الحركة الفنية في القطر

د. عبد العزيز علون

نافد فني ، عمل في مجال التدريس بكلية الفنون الجميلة

دمشق 1972

  

الفنان التشكيلي محمود حماد هو أحد فناني الجيل الأول ، الذين ساهموا في غرس البذور الأولى للحركة الفنية التشكلية السورية وظل اسمه يتردد أكثر من أربعين عاماً . فناناً طليعياً مبدعاً حتى ولج اخيراً في مرحلة النضج . سواء نضج شخصيته المتميزة أو أسلوبه التقني أو صياغة أفكاره حيث اعتمد منهج البحث المرتبط بالخبرة العميقة والثقافة الواسعة

من جهة أخرى فإن الفنان محمود حماد يمثل طاقة ابداعية مكثفة ، حيث يمتلك مواهب متعددة قلما وجدت في شخص واحد ، فهو يمارس الرسم والتصوير والحفر ويصمم الميداليات ( النحت البارز) والشعارات والطوابع ويقيم النصب التذكارية ... وغير ذلك ، أما جودة التقنية في كل منها فهي التي تجعل المرء يعتقد بأنه أمام فنان متخصص فقط في هذا المجال أو ذلك . وهو بذلك يؤكد مقولة أن العمل الفني في أي مجال بحاجة إلى خبرات شاملة و متعددة

إضافة إلى كل هذا فجهوده في بناء الحركة الفنية التشكيلية كبيرة ، اذ لم يترك بادرة بناءة إلا وكان له دور فعال في تبنيها و رعايتها : من أول تجمع فني عرف بالقطر اي مرسم فيرونيز عام 1940  إلى الجمعية السورية للفنون الجميلة إلى رابطة الفنانين للرسم والنحت وأخيرا نقابة الفنون الجميلة وفي كل منها كان مؤسساً ومنظماً بل هو دائماً قطب الرحى وصورة صادقة للتعاون والاخلاص

ممدوح قشلان

البحث عن الصيغ الجديدة : حوار حول رحلة المعاناة والكشف عند الفنان محمود حماد

مجلة الفن ،العدد الاول ، 1986

  

إن عقيدة التوحيد التي نشرها الاسلام حولت الفنان العربي كما هو معروف عن المواضيع التشخيصية ، وجعلته في معظم الحالات يجد مجالاته لتعبيره  ليس بإعادة تصوير ملامح ما أوجدته القدرة الالهية ، وإنما بإبداع أشكال جديدة ، اشتهرت في العالم باسم النقوش العربية وهكذا فإننا نرى أن الفن العربي وصل عصرنا هذا وهو يكاد يكون خاليا من تقاليد الفن التشخيصي – الذي نجد الفن الغربي محملا بها – واستعاض عنها بالنقوش العربية التي تعود في أصولها على الأغلب إلى أشكال نباتية أو حيوانية مرت بالدرس والتحليل خلال عملية تحوير وتأويل لتدخل في منطق أشكال تعتمد إعتمادا كليا على التفكير المرتبط بالهندسة ، تلك الهندسة التي كان العرب في القديم أساتذتها وقاموا بنشرها في أرجاء حوض المتوسط

ولكننا في هذا العصر نلاحظ أن اختراع التصوير الالي أقنع الفنان الاوروبي بأن المهمة الوثائقية للفن قد انتهت ، فإن هذا الاختراع في العالم العربي إلى جانب عوامل أخرى نجده كأنما حافزاً لنشر التشخيص في الفن ، وهكذا فإنه بينما كان الغرب يبحث عن الشاعرية في مواضيع منفصلة عن الطبيعة فإن العالم العربي كان يحاول أن يساير الركب على الأغلب بإنتاج آثار تقلد بدون فهم ، صيغا عربية استنفذت طاقاتها و عفى الزمن على كل ما كان لها من إمكانات

والذي يلاحظ في سورية ، في الطرف الذي انعدمت فيه تقاليد فنية قريبة العهد متسلسلة بدون انقطاع عن الفنون القديمة التي وجدت في هذه المنطقة أن القوالب التي تبناها الفنانون بدون فهم لم يكن لها مبرر مقبول يرتكز على خلفية فكرية واضحة

وإننا نجد ان المعجم العربي يفتقر إفتقاراً كبيراً للمصطلحات الفنية التي تسهل على الفنانين التناقش بلغة بلادهم في الأمور الجمالية وتطورها . عندما نتكلم عن التصوير ، فأننا نتكلم عن الإنسان الذي ينتج الأعمال التصويرية، وهذا يجرنا بالضرورة للاحاطة بظروف نشأته وبيئته ، لتفهم ردود الفعل تجاه القضايا التي يواجهها

هذه المقدمة القصيرة وجدتها ضرورية لما سأعالجه في مقالتي . ان الوضع  الحالي لفن التصوير في سورية ، يمكن ان يصنف الى ثلاث فئات واضحة : الفئة الأولى للمصورين المولودين في السنين الأولى لهذا القرن ، الذين بالرغم من أنهم تعلقوا بمبادئ فكرية تقليدية ، فإنهم تمكنوا في حدود إمكاناتهم أن يمثلوا الفن السوري خير تمثيل ، وذلك بما توفرت لهم من حساسية ومعرفة لمهنتهم .  بإعتقادي ان جلال أفضل من يمثل هذه الجماعة

يلي هؤلاء جماعة الفنانين الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والاربعين ،والذين يمكن ان نسميهم الجيل المتوسط هؤلاء المصورين تمسكوا أكثر من غيرهم في البحث عن اشكال جديدة أكثر حرية للوصول إلى تعبير أشد اتصالا بعصرنا ، ومن أبرز هؤلاء ، وبشكل خاص للبحث الجماعي الذين ساروا به نذكر حماد وشورى وزيات

وقد تجاوزت أبحاثهم مجموعتهم وتعدتهم لتؤثر في جيل الشباب الجدد الذين سيكَونون حتماً الوجه الفني للتصوير السوري ، لما في علمهم من منهجية البحث وجدية النظرة

هذا هو المناخ الذي تعيشه سورية اليوم ، ومن خلاله يمكننا تصنيف عمل كل فنان على حدة

ولا شك ان هذه الفترة يمكن اعتبارها أهم الفترات التي يجتازها التصوير السوري ، لأن عدداً من الفنانين ، بعد أن تنبهوا إلى ما يحدث في الفن من تطورات أخذوا يسعون لفهم أسبابها ونتائجها ، ليتمكنوا من أن يعبروا عن عوالمهم الداخلية بلغة معاصرة ، وبدون ان يتجاهلوا أي مكسب من مكاسب الحضارة والثقافة الحديثة ، تظل هذه اللغة دوما مشبعة بشحنة إنفعالية خاصة بهم كفنانين عرب

لقد أردت إلقاء الضوء على الفترة التاريخية ، لتحديد البواعث التي أدت إلى نشوء تلك الصور الجديدة في فن حماد التي توصلت في مضمونها إلى قيم الأثر الفني

هذه المجموعة الأخيرة من أعمال محمود حماد ليست نتيجة الرغبة في مسايرة انتاجه للتطورات الاخيرة ، وانما هي حصيلة وهدف سنين عديدة من العمل المتواصل ، من التأمل والبحث والنضوج

عندما ذهب حماد الى روما ، ليدرك بصورة أوسع مفاهيم التصوير المعاصر ، كانت له منذ ذاك الحين شخصيته المحددة ، فمناظره المليئة بالنور كانت تعكس الوان ارضه ، كما كان اشخاصه دوما شخصيات من العالم العربي مشبعة بالحرارة والانفعال والصوفية . ولكن لم يكتف بذلك ، وكان يشعر بحاجة للوصول الى هدف أبعد ، لم يكن متصلا بعمله التصوري فحسب ولكن بحاجاته الفكرية ، ومركزه كإنسان حديث في مجتمع هذا العصر . وقد كانت الفترة التي قضاها محمود حماد في اوروبا حاسمة في تكوينه الفني ، فوسعت آفاقه الثقافية ، بدون ان تمس أبداً شخصيته . لم يكن بحثه عن المعرفة سعياً وراء التفاصيل والدقائق ( التصوير ) ولكن سعياً عن معرفة عامة للفكر المعاصر ، وبالفعل لم يرجع حماد من ايطاليا مقلدا للتصوير الذي رآه ، ولكن بقضايا فنية لا عداد لها تحتاج الى حل ، والحاجة قبل كل شئ ليوضح لنفسه ، الأمور التي حدسها ، والشعور بضرورة إعطاء مجتمعه بقدر ما أخذه منه . كل هذا كان عملا طويلا ومرهقا ، بدون قفزات في الظلام ، ولا مغامرات ، ولكن بتطور على مراحل ، بطئ و طويل حتى توصل الى تحديد شخصيته بوضوح من خلال لغته الفنية الخاصة

وإننا نجد أعمال حماد هذه مرتبطة بذلك التعبير العالمي المعاصر . فأشكاله تأتينا مستقلة ، في فراغ محدد بدقة ، ونجد أن العلاقة بين العناصر الرئيسية لوناً كانت او اشكالاً ، وبين الفراغ الذي يعطيها الحياة ، نجد ان هذه العلاقة تبقى العامل الرئيسي الدائم في عمله التصويري ولا اعني بالتصوير ما هو معاصر ، وانما تصوير كل عصر

ان اشكال حماد تجد اصولها في الكتابة العربية ، وهو لم يقم بهذا الاختيار ليعطي لفنه صفات عربية ، ولكن ليطرح  فرضية ويجد في حلها ان الخط يمكن أن يصير شكلاً ، أن يتحول الى صورة ، أن يكون عنصرا رئيسيا بنفس الطريقة التي تحول المنظر ، في عصر النهضة إلى عمارة ، بينما تحولت العمارة في القرن التاسع الى تزيين او تزويق . فلو فرضنا بأن حماد كان قد اختار مكان الكتابة العربية رمزا من العصر الحجري ، فأن أعماله ستنبؤنا كذلك عن ميزات العالم العربي ، للطريقة التي يركز بها في الفراغ ، لصفاته اللونية ولوسائله التأويلية

ولما كانت اللغة لا تضع حدودا للفكر ، وإنما هي واسطة للتعبير ، فأنني في كل مرة أتكلم مع حماد ، أجد انني أتكلم دوما مع إنسان له فكرا عربيا ، وليس ايطاليا ، بالرغم من أنه يحدثني بلغتي ، وهو باستعماله لغة ذاتية وليس موضوعية ، فإنه يعبر في اللاشعور دوما عن انفعالات عالمه وحساسيته ، عن جميع الاشياء التي رآها و عاشها في فترة نشأته ، وعن جميع الصفات التي هي قوام تركة اجداده

ولقد عرف حماد في رفضه الطريق الاسهل ، أن يختار الأصعب ، ففضل البحث و التفتيش على المنظر او الحكاية المرورية . رفض اللوحة المسلية التي تلاقي الحظوة في الاوساط البرجوازية الصغيرة ، ليلتفت الى المساهمة الثقافية لفن بلاده . وبالفعل فإننا نجد في عمل حماد الحالي منهجية جادة كي يصل انتاجه الى المرحلة الجمالية التي يمكن أن ترفع من أذواق الجماهير ، ولتكون بالتالي منطلقات لإنتاج جديد في الصناعة والفنون الشعبية

ان تصوير حماد يبقى تصويرا واقعيا ، ولكن ليس في الواقع الخارجي ، وليس من الحادثة ، ولا من الخبر اليومي ، و إنما من واقعه ذاته ، من عالمه الداخلي

وفي نفس الوقت هذا التصوير ليس تخطيطاً ولكنه شعور وانفعال ، إنه الإشارة التي حفرت في لا شعوره  منذ طفولته الأولى ، عندما عرضت أمام عيننيه أول اشارات أبجديته ، ليفتح ذهنه على المعرفة ، وكما اعطته هذه الإشارات إمكانية إغناء ذاته ، فإنه اليوم يعيدها إلى مجتمعه على صورة آثار فنية

Guido La Regina  غويدو لارجينا

أستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق

فنان تشكيلي

دمشق 1965

  

حين بدأ محمود حماد صياغة تجاربه الجمالية الأولى في الأربعينيات كانت الاتجاهات الفنية في سوريا كالتسجيلية والواقعية والكلاسيكية هي الاتجاهات السائدة في نتاج الرواد الاوائل، فالجيل الثاني من الرواد الذي ينتمي اليه حماد ، وكان الهاجس الجمالي الأكثر حضوراً و انتشاراً ممثلاً في محاكاة الواقع وامتلاك مظاهره الخارجية . وضمن ذلك الوسط الفني المحاصر بمحدودية و تقليدية الإنتاج الفني ، برز نتاج حماد كنتاج فرَق الصيغ  التقليدية السائدة باتجاه جمالية مثلت ما هو متطور في مرحلتها . جمالية لا يمكن حصرها ضمن إطار مدرسي محدد بل يمكن الحديث عنها كتجربة خاصة رغم ملامستها المعطيات الانطباعية والتعبيرية والواقعية

وتابع حماد رحلته ليصبح واحداً من أبرز ممثلي الاتجاهات الواقعية التعبيرية مؤكداً على التعبير عن الحياة من منظور الأرض والإنسان ، وأخذت تلك المرحلة الثانية خصوصيتها في مجموعة لوحات انجزها من وحي الحياة الريفية في درعا و أصبحت رمزاً لواقع عاشه بتفاصيله وعكسه بعواطفه وانفعالاته

وفي نهاية تلك المرحلة كان على صلة مع الفنان ادهم اسماعيل الذي قام ببعض التجارب الجمالية حول امكانية استخدام الخط العربي في اللوحة ، وعمل ادهم على تجسيد محتوى الكلمة في شكل قريب من الصورة الواقعية في حين كان حماد يدخل الحروف والكلمات الى جانب الأشكال المرئية . وبعد عدة محاولات بدأت تغيب العناصر الواقعية التشخيصية لتحل محلها الكتابة العربية في أشكال وصور جديدة ، وأدخل المساحات الهندسية وجَرد الكلمة من دلالتها الأدبية وصولا الى عالم جمالي تجريدي خاص تمتزج فيه جمالية حركة الحرف بإنفعالات الفنان ومحاكماته العقلانية في آن واحد

وهكذا أصبحنا نرى عوالم حديثة على صلة بالجذور وجماليات العصر ، وبرحيله فقدت الحركة التشكيلية في سورية رائدا ومجددا أصيلاً

خليل صفية

ناقد فني

الحياة التشكيلية – دمشق- 1990

  

  

 كلمات اصدقاء الفنان الراحل – دمشق 1988

في أواخر الثلاثينات قدم لي أحد الفنانين القدامى شاباً ، يافعاً في الرابعة عشرة من عمره يحمل بعض إنتاجه من لوحات صغيرة بالألوان الزيتية ذات مواضيع مختلفة ، وتأملت أعمال ذلك الشاب بإعجاب و تعجب ، وقلت في نفسي كيف يمكن لشاب في مثل عمره أن يصل إلى ما وصل اليه . وأعجبني فيه بالاضافة الى فنه ، حياؤه وتأدبه ولم أكن أدري بأن هذا الشاب سيكون صديقي الحميم ، ورفيق الدرب لمدة خمسين عاماً ، فمنذ ذلك الوقت، وبسرعة ، توطدت بيني وبين محمود صداقة رائعة مليئة بالعمل والإنتاج الفني ، يدفع أحدنا الاخر إلى التجديد والتطوير والإبداع

وشدتني اليه مجموعة من الصفات قلما توفرت كلها في شخص واحد ، فأخلاقه كانت على مستوى قريب من الكمال ، كما كان علمه ومعرفته و صدقه وثقافته في خدمة الاخرين ، أشياء يعيش بها ومن أجلها . وكان يعمل بصمت وهدوء ودون تذمر او ضجر ، لا يشكو ولا يطعن بأحد مبتعدا عن خلافات الاخرين لادراكه ان البحث والتعمق في العمل يمكنهما أن يأخذا أكثر وقته . وبدأت مسيرتنا التي لم يقطعها إلا فترات الغياب للدراسة ، فأسسنا مرسم فيرونيز الذي ضم بعض الفنانين التشكيلين رحل بعضهم ، وما زال البعض الاخر يتذكرون تلك الحماسة التي كانت في نفوس تلك المجموعة الشابة من الفنانين الذين يبحثون عن الحقيقة ، ومعنى الحياة وجدوى الفن

وانفرط عقد جماعة مرسم (فيرونيز ) ولكن الحاجة الى التجمع والالتقاء وتبادل الأفكار والخبرات جعلتنا نسعى الى تأسيس الجمعية السورية للفنون التي فتحت صدرها بالاضافة الى الفنانين التشكيلين ، للكتاب والموسيقيين والممثلين ، وكان  محمود  من اعضائها النشيطين يسهم بما يقدر عليه من أعمال ، فصمم بعض الأغلفة للزملاء الكتاب ، فاتحاً عهدا جديدا لغلاف الكتاب بالإضافة الى عمله في الفن التشكيلي ، وفي الوقت نفسه سنحت لي الفرصة أن يكون لي مرسم خاص ولكن ذلك المرسم كان مرسمنا معا . فكم من أيام وليال قضيناها في ذلك القبو الذي كانت تملؤه روح المحبة والصفاء والعمل الجدي . وامتزح حزني بفرحي عندما سافر محمود إلى روما للدراسة في أكاديمية الفنون . كنت فرحا بالفرصة التي أتيحت له للاحتكاك المباشر بالنتاج الفني العالمي ولكني في الوقت نفسه أحسست بالوحدة والفراغ الكبير الذي تركه صديقي والحنين إلى جو العمل الذي كان يملأه علي حماد

ثم عاد حماد بعد أربع سنوات . ورجعنا ألى سابق عهدنا من الصداقة الوفية والمشاركة المستمرة باستثناء الفترات التي قضاها خارج دمشق كمدرس للفنون ، وعندما تحقق حلم الفنانين بافتتاح كلية الفنون الجميلة ، كنت مع محمود من أوائل مؤسسيها ومنذ ذلك التاريخ تلازمنا دون انقطاع

وحسب محمود حماد فخراً وذكرى عطرة ، أنه وأثناء شغله لمنصب عميد كلية الفنون الجميلة ، سعى سعيا حثيثاً ولم يوفر اي جهد لانجاز بناء لكلية الفنون الجميلة يليق بها ، واستطاع أن يحصل من الايطاليين على التصاميم المعمارية للبناء كهدية ، وقدم التصميم الزخرفي للواجهة مساهماً بذلك في تصميم البناء

 وقام البناء ، وشارف على الإنتهاء ، ولكن الأجل المحتوم لم يتح له فرصة التمتع بافتتاح الكلية الجديدة ورؤية طلابها يتوافدون عليها داخلين وخارجين مستجدين وخريجين

محمود حماد الذي خسرناه فجأة سيبقى يعطي بعد رحيله ، لأنه  كان مثالاً للفنان الجاد الهادئ العميق ، لقد خسرناه كفنان منتج وربحناه كمثال يحتذى بأخلاقه ومبادئه ونهجه

نصير شورى

فنان تشكيلي وأستاذ كلية الفنون الجميلة بدمشق

  

- نقاط على حروف - محمود حماد 

مرت حياته ممتلئة بالعمل غنية بالمعرفة ، وافرة بالعطاء حتى اني واثقا أقول : إن تاريخ الحركة التشكيلية السورية المعاصرة ، يكمن في انتاج هذا المعلم الكبير محمود حماد ، فمن الانطباعية ، والتعبيرية ،  ثم التجريد واخيرا الحرف العربي وجمالياته التي اطلقها نحو العالمية

إن هذه المراحل الاربعة في انتاجه الفني تعد من أهم البصمات الواضحة في تاريخ حركتنا التشكيلية ، وكان له بجدارة فضل خلق هذه الإتجاهات في تيار الحركة الفنية و تدعيمها بثقافته الواسعة كمثقف ، وأبوته النادرة كمعلم، وثقته النبيلة كفنان ، و قدرته الفذة على العمل ، وإيجاد المنهج و الطريق في أصعب الظروف ، وأقل الإمكانات وفي كل الأمكنة .... فنانا .. واستاذا وعميدا لكلية الفنون الجميلة ورئيسا لقسم الفنون أو عضوا في لجنة ما ... و دائما كان له صدر الكلام ، بل كان صدر المكان حيث هو يكون ... ذلك أن مكانه كان سعى اليه ، ولم يسعى هو إلى الأمكنة التي شغلها

وقد ترك لنا إنتاجا فنيا وافراً وغنيا غنى حياته ، انتاجا في أغلب فروع الفن : في التصوير ، والحفر ، والميدالية والتصميم الزخرفي ، والتصميم الفني . إنتاجا يحمل في روحه صفات شخصه النادرة ، ويشَرف الحركة التشكيلية التي ينتمي إليها . و يتخطى حدود الوطن

وهو بالتأكيد سيظل بيننا مع هذا الانتاج العظيم متجاوزا بحنان ابوي الحزن العميق الذي اصابنا به غياب شخصه

نذير نبعة

فنان تشكيلي وأستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق

  

تحت المظهر الهادئ للرماد ، تتأجج جذوة الجمر المستعر ، وفي غور فوهة البركان الصامت ، تلتطم الحمم المأسورة في جوف الارض ، والبركان يعرف هذا ، وعند الحد الاقصى للصلابة يتحول الفحم الى ماس

وهكذا كنت وما زلت مثالا لا يقدر أحدنا ان يقتدي به إما لرقة طبقة الرماد التي لا تستطيع إخفاء الجمر ، أو لرغبة البركان فينا بالإنفجار ، او لنزعة إلى الإستعجال للتحول إلى ماس قبل ان تكتمل الصلابة

لا أعرف كيف أناديك ، فأنت أخ وصديق ومعلم وزميل ، تعطي الاخر المجال بأن يتحرك داخل هذه الصفات لأنه يجد جميعها فيك ، يحار المرء في صفة انتسابه إليك ولا تحار في صفة انتسابك إليه ، فأنت حمَاد

حمَاد الراحل

حمَاد الداخل

برحيلك دخلت إلى النفس من زاوية أخرى فقد اكتشفت فجأة معنى عدم وجودك بيننا ، ترأب الصدع وتلم الجمع ، تسدي من دون منٌ ، وتهيب بغير كبر. تحاسب نفسك من دون رحمة ، بينما تتفهم شطط الاخرين

دخلت الى النفس من جديد ، لتطمئن هذه النفس إلى وجود شئ يحميها من داخلها

وهذا الشئ هو حمَاد الذي لم يرحل

عبد القادر ارناؤوط

فنان تشكيلي واستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق

      

شموخ وأصالة 

كنت الأمين على موهبة العالم العلوي ، أتتك في تكوين لحمك و عظامك ، وكانت تحمل مع روحك رفق انطلاق شبابك، و عظمة هدوء الصمت في وجولة عقلك ، حيث عرفنا المرجع اليقين ، وكانت حكمتك رائدا لنا والقول الفصل إذا ما غالى البعض في تفسير قضايا الحياة او استبد بالبعض نشوذ في الفكر او الفن

نتأمل اليوم انجازاتك ايها الراحل الكريم ، وما زال فراقك دمعة القلب ، فأنت المجلي في خطفات اللون ، وتردده بين المادة والنور ، وكان طوع أناملك . إن من شاهدك وانت تنظم لوحتك ، وتبثها خلجات فؤادك ، خالك تناجي عالم اليقين ، تداعبك حروف الضاد ، ثم تستكين لك وتبوح بسر منطوقها . في لوحة أخيرة بدأتها برؤية اللون الازرق ، واذا بقعة بلون الشمس مضيئة تظهر من بين خلجات الأزرق ثم تتحول إلى وردة تستوقف العين فتنفذ العين منها الى مدى آخر ، أكنت تتوق إلى هذا المدى فتركت لنا أثرا من آخر تطلعاتك

دراستك الفكرية نموذج لمتانة العلم ووضوح التعبير ، ونتيجة ثقافة ما برحت تنميها بمحبة ولهفة ... ما كان أحلى تواضعك العلمي ، تواضع المقتدر

هل نحدث عما حققته في كلية الفنون بنية ، وبناء ، والكل يعرف فضلك في هذا ، الى جانب أنك معلم أجيال ، وكنت صادقا في أقوالك مخلصا في عملك ، وكان عملك وفاء منك لوطنك

يا أهل الفكر والفن , الرجل الذي فقدناه إنسان عظيم شاءت الايام ان يتركنا في عنف عطائه ، وفي اكتمال حكمته . عزاؤنا اننا رافقناه ، ولم نرتو من عشرته وإننا تعلمنا منه ، وكنا نتوق الى المزيد . الجبل يحجبه الضباب ، الى حين ، لكن صحو المعرفة يتطلع إلى شموخ قمته . أصالة الجبل في أن الريح لا تذريه بل تزيد لمعان كريم حجارته

 غاب محمود حمَاد عنا ، والإنسان الى إياب ، لكن اسمه وانتاجه سيبقيان في ذاكرة اجيال سورية الحبيبة ما بقي الفكر العربي أصالة انساننا وتراثه

هذا قليل لا يوفيك حقك ، أيها الراحل الكريم ، ولكن عساه يعبر عن وفاء الزمالة

الياس زيات

فنان تشكيلي وأستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق